الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في افتتاح مهرجان كان: أرنو ديبليشان في سمفونية الأشباح

نشر في  18 ماي 2017  (10:29)

 بقلم الناقد طاهر الشيخاوي- مراسلنا من مهرجان كان

تم اختيار فيلم «أشباح اسماعيل» (هكذا يمكن تعريب شريط آرنو ديبليشان) في افتتاح مهرجان كان هذه السنة. يعتبر ديبليشان من أبرز رافعي راية سينما المؤلف في أعقاب الموجة الجديدة. أخرج تسعة افلام روائية طويلة نالت كلّها اعجاب النقاد وتحصل على العديد من الجوائز في مهرجانات كبيرة، ذاع صيته في التسعينات والعشرية الاولى من القرن الحالي. ويعتبر من أهم من اشتغل على موروث الموجة الجديدة الفرنسية.

ويمكن (أو لا يمكن عدم) قراءة الشريط من هذا المنظور. فالأشباح أهمّ الشخصيات في الفيلم، تموت وتحيى من جديد ولكنها ليست فقط شخصيات الفلم بل هي أيضا الأفلام ذاتها خاصّة منها تلك التي طبعت نهاية الخمسينيات والستينيات في فرنسا وتلك الأخرى الامريكية التي جعل منها رموزُ الموجة الجديدة مصادر الهام لهم.

وهي أيضا في جانب آخر أشباح تحيل لأعماله هو، فإسماعيل هو اسم شخصية فيلمه «ملوك وملكة» الذي كان قام بدوره نفس ماتيو أملريك الذي بات ممثله المفضل.

«أشباح اسماعيل» فلمٌ مسكون بأفلام. فبالنسبة إلى من يعرف تاريخ السينما في نهاية الخمسينيات يمكنه أن يلمس أطياف تروفو واتشكوك وهاوكس وبرغمان من وراء قصةٍ ربما تبدو في حدّ ذاتها عبثية وفاقدة للجدية.

يحتل اسماعيل (ماتيو املريك في رشاقة لافتة) المكانة المركزية في دور مخرج متأزم لا ينام إلا في النهار يقضّي لياليه يكتب أفلامه في صراع عنيف مع شخصياته، يكتب في عزلة واضطراب قريب من الجنون منذ فقد زوجتَـه كارلوتا التي لا يكاد يتخلص من خيالها منذ وقت رحليلها. أين ذهبت كارلوتا ؟ لا أحد يدري. وهي الآن في عداد الموتى.

نعم إسمها كارلوتا، تماما كشخصية اتشكوك في شريطه «فيرتيجو». وليس من العبث أن تكون كارلوتا « أشباح اسماعيل » ابنةَ مخرج وليس من العبث أن يفقدَ هذا المخرج الصوابَ هو أيضا منذ غياب إبنته. فلا نوم ممكن بعد ذلك بالنسبة للأب ولا نوم بعد ذلك بالنسبة للزوج.

يتعرف اسماعيل على امرأة أخرى، جمالها في سرّها (شارلوت غانزبور في أروع دور لها) تحمل ثقل مسؤولية أخ معوق لا نراه إلا في آخر الفيلم ومن خلال صورة هافتة. ولكن الأشباح أشباح، ففي يوم ما وبدون إشعار آخر ترجع كارلوتا. ترجع للحياة أكثر من عشرين سنة بعد موتها المفترض وهو ما يزيد الأمر تعقيدا…

ولكن ليست هذه الحكاية كافية، فوراء هذه الحكاية أو تحتها حكاية أخرى بوليسية سياسية تتعلق بشخصية إيفان (لويس غاريل) في دور دبلماسي غريب الاطوار أقرب للجاسوس منه للسياسي نفهم منها أنها حكاية فلم اسماعيل الذي هو بصدد كتابته.

تتشابك الحكايات دون أن نميز أحيانا الواقع فيها من الخيال وتتحول عملية المغامرة السينمائية إلى درامة حقيقة وتتشابك الأمور إلى درجة تختلط التراجيديا بالكوميديا.

أن لا يكون الفلم داخل المسابقة الرسمية فهو دليل أيضا على قيمة العمل علما وأننا شاهدنا نسخة منقوصة من الشريط اذ حذف المخرج عشرين دقيقة من النسخة التي لقبها بـ« الأصلية » والتي يبدو حسب النقاد الفرنسيين الذين سبق أن شاهدوها أهم من التي قدمت لنا الشيء الذي أثار جدلا في الصحف الفرنسية.

بداية موفقة وجدل في البداية… في انتظار أفلام موفقة أخرى وجدل لاحق.